لنشر مقالاتكم راسلونا على الإيميل التالي



لنشر مقالاتكم راسلونا على الإيميل التالي





السبت، 13 يناير 2018

هنا ليبيا .. حكايات عن بدايات الراديو .. بقلم/ الدكتور محمد محمد المفتي

 هنا ليبيا .. حكايات عن بدايات الراديو

د. محمد محمد المفتي



 من مفارقات القدر أن ماركوني العالم الإيطالي الشهير ومخترع الراديو والإذاعة، كان قد زار بنغازي مصحوبا بأجهزة الإرسال والإستقبال، على الأرجح لتجريبها في تحقيق اتصالات بين القوات الإيطالية عبر الصحاري الليبية. وكان ماركوني قد اخترع أجهزة الاتصال بالتلغراف اللاسلكي ثم بالراديو، بقصد استعمالها لاتصال السفن في أواسط البحار. 

 إذاعة طرابلس العربية

 عرفت ليبيا الإذاعة في أواخر العهد الإيطالي باسم إذاعة طرابلس العربية. كان فيها من بين المترجمين أحمد بن زيتون ومصطفى السراج، وكان فيها أحمد الحصائري وأحمد قنابة مذيعين.. وبشير الغويل مراجعا. أما المدير فكان إيطاليا.

 كانت إذاعة طرابلس العربية تبث على الهواء مباشرة.. وكان فيها موسيقيين منهم على الحداد وبشير افحيمة وسالم صابون.. وآخرين. بينما كلف بعض المشايخ بإلقاء محاضرات ومواعظ، ومن بينهم الشيخ أحمد الشارف والشيخ أبو الربيع الباروني.

 أيام الحرب كانت الإذاعة تقدم برنامج ’’فليخرج الإنجليز من البحر المتوسط‘‘.. دعاية سياسية يحضرها مكتب التعبئة.. وكان يقدمه محمد السوكني. كما كان فيه برنامج أطفال.

 إذاعــة باري 

 إبان الحرب العالمية الثانية كانت هناك إذاعات بالعربية وهي إذاعة باري الإيطالية وبرلين العربية من ألمانيا النازية، وفي الأخيرة تألق المذبع يونس بحري الشهير بمبالغاته وسخريته. ولتشغيل إذاعة باري استدعت ايطاليا عددا من موظفيها الليبيين إلى روما، منهم سليمان الجربي وكان يعمل في القنصلية الإيطالية في السلوم.
 ومصطفي الشركسي من قنصلية الاسكندرية ووهبي البوري من قنصلية طنجة. ومن طرابلس جاء راسم كدري وابراهيم البكباك.. وآخرين. 
 ولكن امتلاك الراديو كان أمرا نادرا. وأخبرني ذات مرة، المرحوم حسين مازق، أنه والمرحوم الأستاذ محمد السعداوية، كان لديهما مذياع، يخبئانه في أحد كهوف شحات، ويتسللان بين الحين والحين للاستماع لإذاعة الشرق الأدني تسَـقــّطا لأخبار الحلفاء أعداء ايطاليا وألمانيا. وبعد الحرب فتحت إذاعة لندن. 

 حقبة المذياع

 مع بداية الخمسينيات، أمسى المذياع، هذا الجهاز العجيب في متناول المواطن الميسور والمتعلم، وتوفرت أجهزة قادرة على التقاط محطة القاهرة. ومن تملك مذياعا كان حريصا على ألا يستخدمه في حضور النساء، واتخاذ كل الاحتياطات لمنعهن من إدارة أقراصه في غياب رب الأسرة، بما في ذلك إيداع الراديو في دولاب مقفل بمفتاح أو في المربوعة.. وقاية من أغاني فريد الأطرش وليلى مراد.. الخ. 

 مع انتصاف عقد الخمسينيات، اخترقت التقنية كل الأعراف والتحوطات، حين وصل راديو الترانزسور الشغال بالبطارية والصغير الحجم والزهيد الثمن. وهكذا أمست الخمسينات حقبة الراديو .. وهي الحقبة التي استثمرها الإعلام المصري ليخلق تيارا قوميا عربيا هادرًا، قادرًا على تحريك الحشود والجماهير.

 هـنا بنغازي 

 في بداية الخمسينيات كانت في بنغازي إذاعة للجيش البريطاني ذات مدي محدود، لخدمة قواته في المدينة. وكان مقرها بمعسكر الريمي بالبركة، ولم يزد الاستوديو عن غرفة واحدة مبطنة بالبطانيات العسكرية… وكانت هوائياتها بمقر المستشفى العسكري براس اعبيده. ثم خصص مكتب الاستعلامات البريطاني بالمدينة، حوالي نصف ساعة للبث العربي. 
 ويتذكر الأستاذ فرج الشريف أحد المذيعين الرواد: 
 “كانت تذيع على الهواء مباشرة.. وكان الشيخ محمود ادهيميش أول مقرئ ليبي تسمعه بنغازي على الراديو.. أما أول مذيع ليبي فهو الأستاذ المحامي محمود مخلوف.. ثم خلفه الصحفي المرحوم محمد بن صويد .. وكان المشرف على التشغيل التقني، المرحوم محمد التاجوري.. وكانت الإذاعة تعلن عن نفسها: هنا بنغازي للإذاعة اللاسلكية.. وتدريجيا توسعت ساعات الإرسال وزاد عدد المذيعين .. فانضم .. ابراهيم الطوير وعبد الله عبد المولى وبلقاسم بن دادو وخديجة الجهمي وعبد اللطيف عيد وسعد اسماعيل وخالد محمود وأحمد البيرة والبروك الورفلي وعيسى بالخير ورجب الشيخي.” 
 “كان المفتاح طبعا في يد مكتب الاستعلامات البريطاني، لكن إدارة مطبوعات برقة كانت تساهم في الإشراف، وكان يرأسها المرحوم الأستاذ توفيق البرقاوي.. وأذكر أنه منع إذاعة أوبريت بساط الريح لفريد الأطرش.. وكان تبريره لقراره.. كيف يطير فريد من مصر الى تونس ومراكش.. من فوق ليبيا.. ولا يذكرها بكلمة واحدة.. هذي إهانة!!”.
 “.. ما كان يـُقــَدم؟.. الأخبار المحلية والعالمية وأقوال الصحف.. وكان هناك برنامج الرياضة يقدمه المرحوم مفتاح الدراجي وكان موظفًا في مكتب الاستعلامات البريطاني.. وبرنامج الطلبة الذي يقدمه الأستاذ المربي المرحوم فرج الشويهدي.. وطبعا برنامج ما يطلبه المستمعون..”. 
 “.. مضت الأمور على هذا المنوال، الى أن وقعت حرب السويس.. أو الإعتداء الثلاثي على مصر في آخر اكتوبر 1956. وقام بلقاسم بن دادو بإذاعة أخبار تندد بالعدوان.. بينما رفض آخرون قراءة أخبار تحمل وجهة نظر بريطاني. ونشأت أزمة.. وعموما فكرت الحكومة في تأسيس إذاعة مستقلة”. 

 ليـبي من لنـدن 

 وحدثني المذيع المخضرم الأستاذ سعد اسماعيل التاجورى: ’’أذكر أنني كطفل.. كنت أجلس على عتبة حوش صديقي بشارع بالة، قرب زرايب العبيد وكنت شغوفا بسرد قصة القط الأسود ابن زعيم الجان المكلف بحماية بنغازي من طوفان البحر.. في الخمسينات، حين كنت طالبا في المدرسة الثانوية.. شدتني هواية الكتابة والتمثيليات. واشتركت في مسرحية “بلال”.. وكنت سعيداً بدوري البسيط فيها وهو دور “معيط”. لكن دور بلال أسند إلى عبد الله عبد المولى. وعبد الله نفسه هو سبب دخولي الإذاعة المحلية. فقد سبقني هو للعمل بها وشجعني… فيما بعد شاركت في تمثيليات إذاعية: الصقر وشرارة والصبي والبندقية. قدمنا بعضها باللهجة البدوية القحة. 
 وكان مجيء المرحومة الأخت خديجة الجهمي إلى الإذاعة بداية لمرحلة مميزة من نمو هذه المؤسسة. كانت إنسانة ذات خيال وملكة خلاقة لا تنضب. زاولت الشعر الشعبي وكتابة التمثيليات الإجتماعية الناقدة للعادات والتقاليد السلبية القديمة. كما كتبت العديد من الأغاني العاطفية الناجحة وساهمت في العديد من الأعمال التي خدمت قضية المرأة والطفل بروح متطلعة للتغيير لا تكل. 
 بعد ذلك عملت في إذاعة لندن لمدة أربع سنوات كمذيع ومخرج للبرامج الغنائية. ومن وراء مكرفون إذاعة لندن كنت دوماً سعيداً بالتواصل مع الناس في بنغازي الودود الدافئة . وكنت أحيانا أفاجئ المستمعين بعبارات لا يفهمها إلا أهلنا، مثل ’’ نحنا هلِكْ يا برقة، أو أهدي أغنية “إلى مطاري، تحت بيت الشعر الأسمر، القريب من شجرات البطوم، المشرفة على وادي الكوف”. 
 وربما قلت في سياق الإهداء “مبروك عرسك يا سعد وعزيزة. وعندما تمران بشارع إقزير سلّما على الصبية أم شناف، وقولا لها إني عائد إلى نفس المربوعة. . قبل العيد الكبير”. ومرة ختمت إحدى الحلقات: “وختاماً، تحياتي إلى جميع الأطفال المتناثرين بمنتزه البوسكو، وأقول لعشاق فن السيد بومدين، ها هو لحنه الذي لا ينسى، أهديه لكم من قلب لندن، من قلب يحن إلى ربوعكم.. ثم ينساب صوته.. عيونك كبار وسود من مولاهن”.

 هنـا ليـبـيا 

 في منتصف عام 1957 ولدت أول إذاعة ليبية.. في بنغازي وطرابلس.. وقامت وزارة المواصلات بذلك، بجهود وكيلها آنذاك الأستاذ فؤاد الكعبازي.. بينما آل الإشراف على الأخبار الى إدارة المطبوعات الإتحادية التي كان يديرها الصحفي المرحوم على المسلاتي.وبرز في تلك الفترة مقدمي برامج، من غير المذيعين.. ومن بينهم الأستاذ فرج الشويهدي والسيدات خديجة الجهمي وحميدة بن عامر وفاطمة العلاقي وأمينة الوداني.

 التربية عبر الأثير 

 أذكر الأستاذ فرج الشويهدي: وديعا أنيقا، واثقا جادا، بقدر ما كان خجولا.. نذر جهوده لموضوع التربية. وكما قال لي صهره الصحفي المخضرم المرحوم فاروق النعاس: “كان الأستاذ فرج يطبـّق ما يعظ به.. كانت النصيحة، العبرة، القدوة حاضرة حتى في دردشاته ومداعباته لصغار العائلة.. الذين كانوا أكثر تعلقا به من تعلقهم بوالديهم.. كما كانوا يلجأون اليه طلبا للمشورة.. وقد كان منظما دقيقا في حياته اليومية..”.

 كان الأستاذ فرج يستعين بالتلاميذ لتقديم برنامج مع الطلبة لإلقاء بعض الكلمات وقراءة القصص وآداء التمثيليات. وكنا نلتقي في بيته بالبركة، قبل أن نتوجه على الأقدام إلى استوديو الإذاعة بالريمي. كان البث على الهواء مباشرة، فلم يكن المسجل الشريطي قد أخترع.. لكننا كنا نفرح بما يقوله أهلنا الذين سمعوا البرنامج. وفي بيته كنا نجلس حوالي منضدة في المربوعة، حيث مكتبته المذهلة آنذاك بأدراجها الخشبية البسيطة وكتبها المنسقة، والتي كانت تعد بضع مئات. 

 في أواخر عام 1960، انتقلت إذاعة بنغازي الى مقرها الحالي في شارع آدريان بلت. ومن الأسماء التي تألقت بمساهماتها، الفكرية أو الشعرية والأحاديث الأدبية .. طالب الرويعي ومحمد زغبية ومفتاح السيد الشريف وحبريل الحاسي.. ومن الشعراء عبد ربه الغناي وخالد زغبية وحسن صالح ومحمد المطماطي .. كما وجد الشعراء الشعبيون والشعر الشعبي قناة لإيصال صوتهم وإبداعاتهم لأول مرة الى كل الناس، ولعل من أهم أشعارهم تلك التي كانت ذات دلالة اجتماعية عميقة، وتمجيدهم لثورة الجزائر وخاصة البطلة جميلة بوحيرد، ثم مأساة زلزال المرج سنة 1961، وفي ما بعد معركة الشعراء حول خروج المرأة سافرة الوجه وارتدائها الملابس الأوروبية.

 وبالطبع أتاحت الإذاعة فرصة للمطربين الليبيين.. ومنهم على الشعالية، والسيد بومدين (شادي الجبل) وحسن عريبي والموسيقار صبري الشريف وعازف العود مصطفي المستيري .. وفيما بعد اشتهر محمد صدقي (العوامي).. ونوري كمال (الفرجاني). وكانت خيرية المبروك أول مغنية ليبية تذاع أغانيها. وتألق محمد مرشان بأغانيه مثل “بعت المحبة إهناش من يشريها”، التي ضمّن محمد عبد الوهاب لحنها في إحدى أغانيه لأم كلثوم. وسلام قدري بأغانيه ذات الألحان المجددة مثل سافر مازال عيني تريده، وأغنية “الجوبة بعيدة” التي ألفتها خديجة الجهمي. 

 كانت الرابطة قوية بين الإذاعة والصحافة.. فمن بين محرري الأخبار الأوائل: الأستاذ أحمد يونس نجم الذي تولي رئاسة تحرير جريدة برقة الجديدة .. والمرحوم محمد بشير الهوني الذي أسس جريدة الحقيقة .. والكاتب المرحوم عبد الله القويري.. وعمل بالترجمة المرحومين أحمد يوسف بورحيل ومحمد عبد الرازق مناع .
 وكان رشاد الهوني في شبابه من بين طبّاعي الأخبار على الآلة الكاتبة !، ليتألق فيما بعد كصحفي ريادي كبير، حين أدار جريدة الحقيقة بسعة أفق وحرص على المواهب الشابة فدشـّن حقبة رائعة في تاريخ الصحافة الليبية.
**************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفنان يوسف العالم

عبقري الموسيقى الليبية  الموسيقار المبدع "يوسف العالم" في أسطر الفنان الموسيقار يوسف العالم، من مواليد (مدينة سلوق الق...